ارتبط الإنسان بعلاقة صداقةٍ وثيقة مع بعض الحيوانات منذ القدم، حيث يُقدّم الإنسان الود والرعاية، ويقابلها الحيوان بتقديم العديد من المنافع للإنسان، ومن أبرز تلك الحيوانات الخيل والإبل والصقور، والتي أصبحت رموزاً مهمة في الجزيرة العربية، والمجتمع السعودي، وهو ما حدا بالمملكة إلى تأسيس العديد من الاتحادات والهيئات الخاصة للمحافظة على التراث المرتبط بتربية الخيول والإبل والصقور، ونقل إرثها لأجيال اليوم والمستقبل.
فيما حضَرت هذه الحيوانات بشكلٍ لافت في الأعمال الفنية والأدبية، بعد أن شكّلت علاقةُ الإنسان بهم مصدرَ إلهامٍ للفنانين بمختلف مجالاتهم، ليترجموها قصائدَ شعرية، أو أعمالاً تشكيلية، أو منحوتاتٍ خلّاقة، أو أعمالاً فوتوغرافية تلتقط لحظاتٍ خاطفةً لعلاقةٍ تحمل في طيّاتها كثيراً من الحب والمودة.
علاقة الإنسان بالخيل
وعلى الرغم من تراجع الحاجة لاستخدام تلك الحيوانات في الصيد أو السفر أو الفروسية في هذا الزمن، إلا أن الارتباط الوثيق بين الإنسان وبين الخيول والإبل والصقور ما زالت مستمرة، تكشف عن ذلك الأعداد الكبيرة التي تشارك في المهرجانات والمسابقات والفعاليات السنوية الخاصة بتلك الحيوانات.
فقد اتخذ الصقر مكانةً كبيرة لدى أبناء المملكة منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى قبل أكثر من ثلاثة قرون وحتى وقتنا الحاضر، وذلك بعد أن لعب دوراً مهماً في توفير لقمة العيش لهم في رحلات الصيد، ليكون الرفيق والصياد في نفس الوقت، لتستمر تلك العلاقة حتى اليوم وتُتَوَّج من خلال الأمر الملكي في عام 2017 بتأسيس نادي الصقور السعودي الذي يهتم بدعم هواية الصقارة، انسجاماً مع رؤية السعودية 2030 في تعزيز جودة الحياة، وخدمة الموروث العريق المتمثّل بإرث الصيد بالصقور، وكانت “الصقارة” قد سُجِّلت كتراثٍ إنساني حي في القائمة التمثيلية للتراث غير المادي للبشرية في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونيسكو”، وذلك في عام 2010م بعد جهودٍ امتدت لخمس سنوات قادتها 11 دولة على رأسها المملكة العربية السعودية.
أما بالنسبة لسفينة الصحراء فتصدرت قصائد الشعراء ومقولات الأدباء وأعمال الفنانين لما لها من مكانة راسخة في الثقافة السعودية على مر الأزمان وما ترتبط به من مشاعر المودة والألفة مع محبيها، وهو ما دفع وزارة الثقافة إلى وسم عام 2024 بـ “عام الإبل”، بهدف تأصيل مكانتها باعتبارها موروثاً ثقافياً يعكس الهوية السعودية، وقد كشفت المنحوتات الصخرية عن تاريخ علاقة امتدت لآلاف السنين، كما في موقع “نحت الجمل” بمنطقة الجوف، والتي تعود لفترة العصر الحجري ما بين (5200 و5600) سنة قبل الميلاد، حسب النتائج التي كشفتها هيئة التراث بالشراكة مع باحثين ومختصّين من جامعة الملك سعود، والمركز الفرنسي للأبحاث، وجامعة برلين الحرة، وجامعة أكسفورد، وغيرها من البعثات العلمية الدولية التي زارت الموقع وقدمت العديد من الدراسات التي تؤكد متانة العلاقة الضاربة في أطناب التاريخ، بين إنسان هذه الأرض والإبل.
وبالعودة إلى أهم الحيوانات التي تشكّل رموزاً للعزة والفخر لدى العرب، لا بد من ذكر الخيل، خصوصاً وأن الشعر العربي منذ القدم قد أجزل في وصفها تخليداً لمكانتها العزيزة في القلوب، وقد وثّقت الآثارُ المكتشفة في موقع المقر الأثري قرب محافظة وادي الدواسر استئناسَ إنسانِ الجزيرة العربية بالخيل منذ 9 آلاف عام، عندها بدأ العرب في تربية الخيول وتحسينها والمحافظة على أصالتها، فيما كان لها دورٌ مهمٌّ في حركة تأسيس الدولة السعودية، حيث امتطى صهوتَها الملكُ المؤسس عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- خلال توحيده لأرجاء البلاد، وهو ما جعله يهتم بشكلٍ فائق بالخيول العربية، ليؤسس رئاسةً خاصة ضمن ديوانه، مهمتُها العناية والاهتمام بخيول الملك التي تُعدّ من أجود الفصائل العربية.
وكما هو التاريخ الحافل بجمال وأناقة الخيل العربي في قصص وحكايات الفروسية السعودية، يشهد حاضر المملكة وهجاً ساطعاً لفعاليات عالمية تؤكد على اعتزازها الكبير بالخيل، حيث تجذب بطولة “كأس السعودية” للخيل منذ انطلاقتها عام 2020 أنظار العالم، لكونها من أهم سباقات الخيل عالمياً، وتقام نهاية شهر فبراير من كل عام وتصل قيمة جوائزها الإجمالية إلى 35,5 مليون دولار أميركي.
ويشارك فيها أكثر من 70 خيلاً عالمياً، فيما تحضُر البرامج المتنوعة والثرية التي تُقدّمها وزارة الثقافة ضمن فعاليات البطولة، بهدف تعزيز الهوية الثقافية السعودية، ونشر الإرث الثقافي، وتمكين الموهوبين المحليين؛ لتحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية للثقافة، تحت مظلة رؤية السعودية 2030، والمتمثّلة في “الثقافة كنمط حياة، والثقافة من أجل النمو الاقتصادي، والثقافة لتعزيز مكانة المملكة الدولية”.
أقرأ أيضا: