بعد مرور 46 عاما على “المبيت في اسطبلات الخيول”، وقع الرئيس الأمريكي رونالد ريغان في عام 1988 قانونا أقره الكونغرس، وصف ترحيل اليابانيين من الساحل الغربي للولايات المتحدة بأنه كان ظالما، واعتذر عنه، وقدم تعويضا لكل متضرر قدره 20 ألف دولار.
قرارالرئيس الأمريكي رونالد ريغان بعد معاقبتهم ب “المبيت في اسطبلات الخيول”، كان متأخرا، ولم يصل الاعتذار الرسمي الأمريكي إلى مسامع الكثيرين، ولم تمتد أيديهم لتلقي التعويض المالي لأنهم فارقوا الحياة قبل ذلك.
ردا على الغارات الجوية المباغتة على قاعدة الأسطول البحري الأمريكي في بيرل هاربر، صدر في 19 فبراير عام 1942 مرسوم رئاسي أمريكي قضى بوضع الأمريكيين اليابانيين في معسكرات اعتقال.
مباشرة بعد إقرار القانون رقم “9066”، بدأت عمليات الإخلاء القسري لليابانيين من ولايات كاليفورنيا وسان فرانسيسكو وأوريغون وواشنطن، وجرى إبعاد 120 ألف ياباني من الساحل الغربي للولايات المتحدة، وكان 62 بالمئة من هؤلاء يحملون الجنسية الأمريكية حينها.
تقارير بهذا الشأن أفادت بأن نحو نصف عدد من أرسل إلى معسكرات الاعتقال كانوا من الأطفال. استقر اليابانيون المبعدون في ثكنات بنيت لهذا الفرض، وفي الغالب على أراضي المحميات الهندية، وكانت محاطة بالأسلاك الشائكة ويقف في محيطها حراس مسلحون بمدافع رشاشة. تلك الأماكن كانت تسمى رسميا “مراكز إعادة التوطين العسكرية”، وكان يطلق عليها بشكل غير رسمي اسم “معسكرات الاعتقال”.
قرار الإبعاد إلى معسكرات الاعتقال شمل حتى أولئك الذين يحملون 1/16 من “الدم الياباني”، بما في ذلك الأطفال الأيتام، وكان لهذه الخطوة طبيعة عرقية صرفة ارتكزت على الشك في ولاء المهاجرين اليابانيين، على الرغم من أن المرسوم الرئاسي الأمريكي لم يذكرهم بالاسم.
بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية اتخذت إجراءات مماثلة وتم اعتقال المهاجرين من أصل ألماني ونمساوي الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و60 عاما، وقامت الحكومة البريطانية بالزج بحوالي 25000 رجل ألماني ونمساوي و3000 امرأة إلى في معسكرات معظمها في جزيرة مان في البحر الأيرلندي. علاوة على ذلك جرى في أغسطس 1940 ترحيل حوالي 4000 شخص من هؤلاء إلى كندا، و2000 إلى أستراليا.
صورة تلك المأساة نقلها الممثل الأمريكي من أصل ياباني جورج هوساتو تاكي، وكان قضى في طفولته مع أسرته 3 سنوات في معسكرات الاعتقال.
تاكي روى أن ممثلي السلطات أثناء تنفيذ المرسوم الرئاسي جاؤوا في ذلك الوقت إلى منزل أسرته في لوس أنجلوس ربيع عام 1942، وسمح لهم بحمل ما خف وزنه فقط، كما سمح لهم بأخذ حقيبة واحدة فقط ، واضطر أفراد الأسرة إلى البيع ممتلكاتهم بأبخس الأثمان، وأمهلوا 48 ساعة لحزم أمتعتهم. روى أن أسرته في فترة ما، نقلت إلى معسكر للنوم في إسطبل سابق، وانهم حشروا في أكشاك للخيول، وعلّق تاكي الطفل الصغير في ذلك الوقت قائلا: “سننام حيث تنام الخيول! الأمر ممتع”!
حال والديه في ذلك الموقف كلن مختلفا تماما عما كان عليه الطفل الصغير. الممثل الأمريكي من اصل ياباني ذكر أن الإجراء بالنسبة لهما كان “ضربة مدمرة”، فقد فقدا المنزل الذي اشترياه بشق الأنفس، ووجدا نفسيهما محشورين مع ابنهما الصغير في “اسطبل عفن واحد”.
اعتقد جورج هوساتو تاكي الصغير حين أجبر الجميع على ارتداء علامات كي تتم “مراقبتنا مثل الماشية”، أن الأمر عبارة عن تذكرة من قطار إلى آخر، مشيفا أنه رأى أشخاصا يبكون، لكنه لم يستطع معرفة السبب، وأن صبيا من أقرانه أخبره في أحد المعسكرات بأن الأسلاك الشائكة وضعت لحمايتهم من الديناصورات!
الصحافة الأمريكية في ذلك الوقت ساندت مثل هذه الإجراءات القمعية ضد اليابانيين، وعلى سبيل المثال كتبت صحيفة لوس انجلوس تايمز تقول: “الأفعى هي دائما أفعى، بغض النظر عن مكان خروجها من البيضة. وعلى هذا المنوال، الأمريكي من أصل ياباني والمولود لأبوين يابانيين يكبر ليصبح يابانيا وليس أمريكيا”، كما أعرب المزارعون البيض عن سرورهم بالتخلص من المنافسين الآسيويين.
وفي هذا الشأن، صرّح أوستن أنسون، المسؤول التنفيذي في جمعية منتجي وموردي الخضروات في مدينة “ساليناس” بكاليفورنيا قائلا: “إذا تم إبعاد جميع اليابانيين غدا، فلن نفتقدهم في غضون أسبوعين، إذ يمكن للمزارعين البيض زراعة كل شيء مثل اليابانيين”، مضيفا قوله: “لا نريد إعادتهم بعد الحرب”.
الممثل الأمريكي من أصل ياباني يقول فيما يستعرض ذكريات طفولته في تلك المحنة، إن والده أوضح له ما يجري بقوله: “إن البلد الديمقراطي يمكن أن يكون عظيما مثل شعبه، لكنه غير معصوم من الخطأ مثل شعبه. وبالتالي، لكي تعمل الديمقراطية، فإنها تحتاج إلى أناس طيبين يؤمنون بمثلها العليا”.