بعد أكثر من ثلاثة أشهر على الحرب الإسرائيلية الوحشية ضد سكان قطاع غزة أصبح من الواضح تماماً حجم الانعكاسات على الرأي العام الأردني والدلالات التي يمكن من خلالها معرفة مدى الخلل الذي أصاب المجتمع نتيجة سنوات طويلة من تجاهل أهمية بناء الوعي العام وتحصينه فكرياً
في الأردن الجميع لديه معلومة (بغض النظر عن صحتها) وكل تيار أو مجموعة أو حتى فرد يحاكم البقية ويصنفهم بناء على معلومته، والأمر الأكثر وضوحاً أن أي معلومة مهما كان مصدرها أو مبتغاها موثوقة وقوية ولها مدافعون عنها، باستثناء المعلومة الرسمية (إن وجدت من حيث المبدأ) فهي الأضعف في سلسلة سيل المعلومات الذي يُغرق المجتمع هذه الأيام
الدلالة الواضحة تماماً من كل ما يجري هي أن قطاعي التعليم والإعلام تم تجريدهما خلال السنوات الماضية من أهم دور لهما، وهو دور بناء الوعي العام والتفكير والقدرة على التمييز بين الغث والسمين، بحيث أصبح التعليم تلقينياً بحتاً وبعيداً عن الواقع ومعطياته، فيما أصبح الإعلام أداة للعلاقات العامة
الشمس لا تغطى بغربال، فمجتمعنا اليوم تنهشه تيارات عديدة، والكل يريد توجيهه بما يعزز سرديته ويخدم أجندته، بغض النظر عن مصالح الدولة وتوجهاتها، ورغم أن البعض لا يرى في ذلك سوى مهاترات ومشاحنات على وسائل التواصل الاجتماعي إلا أن ذلك ليس سوى حالة من الانكار والهروب من الواقع، فما يقال في المجالس وفي مجموعات الواتساب المغلقة أعمق بكثير وأكبر تأثيراً ووضوحاً مما يقال في العلن
الأحداث التي تجري اليوم في المنطقة، جرس إنذار وتحذير مهم، لا يجب إغفاله والاستمرار في ذات السياسة المتعلقة بقطاعي التعليم والإعلام وكأن شيئاً لم يحدث، فالرهان على تجريد المدارس والجامعات من دورهما في التربية وبناء الرأي العام وترسيخ الثوابت المرتبطة بمصالح الدولة العليا أدت إلى خلق جيل هلامي أقل ما يمكن القول عنه أنه «مع الخيل يا شقرا» تتقاذفه السرديات والروايات إلى الدرجة التي وصل فيها البعض إلى الدفاع عن أفكار متناقضة ومتضادة دون أي يعي ذلك، وكل ذلك لسبب رئيسي وهو أنه تعود عبر سنوات طويلة على مقاعد الدراسة والجامعة أن يكون مستمعاً فقط وأداة تسجيل لما يقال دون أن يتم تحفيزه على التفكير والتحليل والتمييز بين الصواب والخطأ
أما في الإعلام فحدث ولا حرج، فلا نحن صنعنا قادة رأي لهم القدرة على التأثير في المجتمع، ولا تركنا القطاع يفرز قيادته المهنية والكفؤة، ورغم كل حالة الارتباك التي تصيب هذا القطاع مع كل أزمة إلا أن ما يحدث يؤكد أننا لم نصل بعد إلى قناعة بأن الإعلام إدارة وقدرات ومهارات
باختصار، مجتمعنا يواجه تيارات وأفكار ذات توجهات مختلفة، وهناك نسبة كبيرة من الناس مَن تدافع عن ذلك دون أن تدرك أنها تدافع عن أجندات ضد مصالح الأردن، وكل ذلك لسبب واضح تماماً وهو تحويل التعليم والإعلام إلى مجرد مؤسسات إدارية لا علاقة لها بدروها الأساسي وهو تحصين المجتمعات وترسيخ الثوابت. ــ الدستور