سيد شوقي الشرقاوي ـ يستغل المئات من الفلسطينيين في قطاع غزة من أصحاب العربات التي تجرها الخيول والحمير، والمعروفة باللهجة العامية باسم “الكارو”، أزمة شح الوقود لتشغيل عرباتهم كبديل عن المركبات في نقل الركاب.
ومن قطاع غزة وتحديدا من مدينة دير البلح وسط القطاع يقول الشاب الفلسطيني سائد أبو عواد، ، انه يستيقظ فجر كل يوم لإطعام حصانه وتجهيزه للانطلاق به في رحلة عمل يومية في نقل الركاب والبضائع؛ في ظل عدم توفر المركبات اللازمة لذلك.
ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع في 7 أكتوبر الماضي، استغل أبو عواد هذه الفرصة لتوفير قوت يوم عائلته المكونة من 6 أفراد.
ولا يتردد الفلسطينيون في استخدام وسيلة النقل البدائية هذه التي تخفف بعضا من معاناتهم التي أفرزتها الحرب.
كما يتم استخدام هذه العربات في نقل جرحى وقتلى من مواقع الغارات الإسرائيلية إلى المستشفيات، في ظل ارتفاع أعدادهم وسط “المجازر” التي تقول وزارة الصحة إن إسرائيل ترتكبها بحق المدنيين في القطاع، ونقص أعداد سيارات الإسعاف، التي تعرضت هي الأخرى لاستهداف إسرائيلي منظم، وفق الوزارة.
وسيلة النقل الوحيدة
يقول الشاب أبو عواد، إن سكان القطاع باتوا يعتمدون على هذه العربات التي أضحت وسيلة النقل الوحيدة لقضاء حاجاتهم اليومية في أيام العدوان.
و في حديثه للأناضول، إن الفلسطينيين توجهوا لاستخدام هذه الوسيلة البدائية، رغم الوقت الطويل الذي تقضيه للوصول إلى المكان المنشود، في ظل حاجتهم للتنقل بشكل يومي؛ الأمر الذي أعاقه بطبيعة الحال نفاد الوقود المشغل للمركبات.
وأوضح أن الضغط الشديد في العمل “أرهق حصانه كونه غير معتاد على العمل ضمن ساعات طويلة”.
وتابع: “حينما أشعر أن الحصان متعب أتوقف عن العمل، حتى لا أضره، فأنا لا يمكنني الاستغناء عنه إنه بمثابة يدي وقدمي في الوقت الحالي”.
ويشير أبو عواد إلى وجود حالة من التوافق بين أصحاب عربات “الكارو”، على توحيد “تكلفة النقل، والتي تتفاوت وفق المسافة وعدد الركاب وحجم المواد المراد نقلها”، وفق قوله.
ارتفاع تكلفة النقل
ورغم أنها وسيلة نقل بدائية، إلا أن تكلفة نقل الركاب شهدت خلال أيام الحرب الإسرائيلية، ارتفاعا كبيرا الأمر الذي شكّل عبئا على السكان المضطرين لاستخدامها، في ظل عدم توفر بدائل.
ويرجع أبو عواد هذا الارتفاع إلى تضاعف أسعار الطعام الخاص بالحيوانات من الشعير والتبن.
ويقول حول ذلك: “سعر رطل الشعير والتبن تضاعف بنحو 3 -4 مرات بسبب العدوان، وأصبح سعره يصل إلى 25 شيكلا بعد أن كان 5 شواكل (الدولار يعادل 3.61 شواكل)، ناهيك عن الإرهاق الذي يصيب الحيوانات في التنقل بين الأحياء والمدن”.
بدوره، يشكو المواطن آدم الرزي (٤٢ عامًا) النازح من مدينة غزة إلى المحافظة الوسطى من ارتفاع تكلفة النقل عبر العربات، حيث يضطر لدفع مبلغ 5 شواكل للانتقال من مخيم النصيرات (وسط القطاع) إلى دير البلح (وسط)، وهو تقريبا ضعف ما كان يدفعه لمركبات الأجرة.
لكنه في ذات الوقت، لا يمكنه الاستغناء عن “الكارو” كونها باتت وسيلة النقل الأساسية في القطاع، وفق قوله.
ويضيف للأناضول: “نستخدم الدواب كوسيلة نقل لتأمين احتياجاتنا اليومية، فكل شيء مفقود في قطاع غزة، مع مواصلة الاحتلال الإسرائيلي حصاره الخانق علينا”.
وأشار إلى أن “نفاد الوقود من محطات التعبئة تسبب في حالة شلل في حركة النقل والمواصلات ما أجبر الآلاف من مركبات الأجرة على التوقف عن العمل، لتستبدل لاحقا بالكارو”.
ولفت إلى أهمية هذه العربات من خلال تطرقه لدورها في “عمليات إجلاء المصابين والشهداء من الأماكن التي يتم استهدافها في القطاع، خاصة في مدينة غزة والشمال”.
توقف محتمل للكارو
صاحب عربة “الكارو” محمد أحمد، القاطن في منطقة الزوايدة غرب المحافظة الوسطى، يقول إن الشعير والتبن الموجود في القطاع بات “على وشك النفاد من الأسواق”.
وأضاف في حديث للأناضول: “الشعير والتبن من السلع المستوردة، وبعد مرور نحو 80 يوما على الحرب الإسرائيلية وإغلاق المعابر، أصبحت على وشك النفاد من الأسواق، الأمر الذي قد يؤدي إلى توقف عربات الكارو عن العمل”.
وأشار إلى أن ارتفاع تكلفة النقل عبر هذه العربات، يعود إلى ارتفاع أسعار الشعير والتبن، لافتا إلى أن الحصان أو الحمار يحتاج يوميا إلى نحو رطلين من هذا الطعام الذي يمنحه طاقة لمواصلة عمل طويل.
“عذاب” يومي
تعيش الفلسطينية صباح عبد الكريم، فصلا من العذاب اليومي، حيث تضطر للتنقل يوميا عبر “الكارو” لمسافات بعيدة، لزيارة نجلها المصاب باستهداف إسرائيلي، والموجود حاليا في مجمع ناصر الطبي بمدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة.
وتقول للأناضول، إنها تتنقل باستمرار “عبر عربات الكارو لقضاء حوائج عائلتها وزيارة نجلها المصاب بشكل يومي وتزويده بمستلزماته وبعض الأدوية التي يحتاجها”.
وتضيف بنبرة غاضبة: “هكذا نعيش في غزة، لم يبق أكثر من هذا العذاب الذي نعيشه، ماذا ينتظر العالم منا؟”.
وناشدت الدول العربية والأوروبية لضرورة “النظر بعين الرحمة للفلسطينيين في ظل معاناتهم المتفاقمة جراء استمرار العدوان وعدم توفر المياه والكهرباء والوقود والغاز وشح الغذاء”.
وبعد أيام من اندلاع الحرب على غزة، قرر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، فرض “حصار شامل” على غزة، قائلا: “لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود (سيصل للقطاع)”، وفق ما نقلته القناة “13” الإسرائيلية.
وانتهت مطلع دجنبر الجاري، هدنة مؤقتة بين فصائل المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، أنجزت بوساطة قطرية مصرية، واستمرت 7 أيام، جرى خلالها تبادل أسرى وإدخال مساعدات إنسانية محدودة وكميات وقود شحيحة، للقطاع الذي يقطنه نحو 2.3 مليون فلسطيني.
وخلفت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، منذ 7 أكتوبر، وحتى 27 ديسمبر، 21 ألفا و110 شهداء و55 ألفا و243 جريحا، معظمهم أطفال ونساء، بينما بلغ عدد قتلى الجيش الإسرائيلي، 501 ضابطا وجنديا، بينهم 173 قتلوا منذ بدء العملية البرية في 27 أكتوبر.