روان أحمد
“نحن لن نستسلم ننتصر أو نموت، وهذه ليست النهاية، بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه، أما أنا فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي”، كانت هذه آخر كلمات شيخ المجاهدين الليبي عمر المختار، الذ ظل يحارب الاستعمار الإيطالي لمدة 20 عاما متواصلة بدون كلل أو ملل إلى أن اضطرت قوات الاحتلال الإيطالي لإضعاف الروح المعنويَّة للمقاومين الليبيين والقضاء على الحركات المناهضة للحُكم الإيطالي، لكن النتيجة جاءت عكسيَّة، فقد ارتفعت حدَّة الثورات، وانتهى الأمر بأن طُردت القوات الإيطالية من البلاد عام 1943.
مرّ 92 عاما على مقولة أسد الصحراء عمر المختار الذي قالها بعد أن تم أسره من قبل الإيطاليين حيث أجريت له محاكمة صوريّة انتهت بإصدار حكم بإعدامه شنقاً في صباح 16 سبتمبر1931، ولم يهتم الاحتلال بكبر سنه او مرضه فقد كان يبلغ من العمر 73 عاما ورغم ذلك نُفذت فيه العقوبة بمركز سلوق بحضور جميع أقسام الجيش والميليشيا والطيران، فضلا عن إحضار 20 ألفا من الأهالى وجميع المُعتقلين السياسيين لمشاهدة تنفيذ الحكم فى قائدهم.
وأُحضر المُختار مكبل اليدين وسار إلى منصة الإعدام وهو ينطق الشهادتين، والمقولة التي يرددها الناس حتى هذه اللحظة “نحن لن نستسلم ننتصر أو نموت”، وفى تمام الساعة التاسعة صباحًا تم تنفيذ الحكم، وبمجرد وصوله أخذت الطائرات تحلق فى الفضاء فوق ساحة الإعدام على انخفاض، وبصوت مدوى لمنع الأهالى من الاستماع إلى عمر المختار إذا تحدث إليهم أو قال كلاما يسمعونه.
من داعية بالمساجد إلى محارب بالبنادق
ويُرجع مؤرخون ميلاد عمر المختار إلى الفترة بين عامي 1858 و1862، في منطقة برقة بالجبل الأخضر شمال شرق ليبيا وكفله أبوه وعني بتربيته تربيةً إسلاميَّة حميدة مستمدة من تعاليم الحركة السنوسيّة القائمة على القرآن والسنَّة النبويَّة، وتوفي والده الشيخ مختار بن عمر وهو في طريقه إلى مكَّة المكرّمة لأداء فريضة الحج، ووصّى والده قبل وفاته بأن يكفله عمه الشيخ حسين، الذي تولّى بالفعل رعاية عمر المختار وأخيه محمد، مُحققاً رغبة والدهما، فأدخلهما مدرسة القرآن الكريم بالزاوية، ثم ألحق عمر المختار بمعهد “الجغبوب” لينضم إلى طلبة العلم من أبناء القبائل الأخرى.
واشتهر المختار بالجدية والحزم والاستقامة والصبر، ولفتت أخلاقه أنظار أساتذته وزملائه وهو لم يزل يافعاً ومع مرور الزمن وبعد أن بلغ عمر المختار أشدَّه، أصبح على إلمام واسع بالأحداث القبليّة وتاريخ وقائعها، حيث كتبت الأعوام الثمانية التي قضاها المختار في معهد الجغبوب، ببطء مصيره، لتحوّل طريقه من الدعوة وفض النزاعات ودرء الخلافات، إلى حمل البنادق ووضع تكتيكات لصد المحتلين الإيطاليين.
في أكتوبر عام 1900 بدأ الاستعمار الإيطالي لليبيا، فكرس المختار حياته وعلمه في الدفاع عن بلده، ولم يتردد في أن يتحول من الدعوة إلى القيادة العسكرية فكان قد وطد علاقته بالحركة السنوسية، وقرر أحد زعماء السنوسية وهو محمد المهدي السنوسي، اصطحاب عمر المختار من الجغبوب إلى منطقة الكفرة في الجنوب الشرقي للصحراء الليبية، وكان قد تجاوز حينها الثلاثين عاماً بقليل، وبعد تلك الرحلة عيّنه السنوسي شيخاً لزاوية عين كلك في منطقة “قرو” غرب السودان، ثم شيخاً لبلدة زاوية القصور في منطقة الجبل الأخضر عام 1897.
تحدي انتهى بالإعدام شنقا
في الوقت الذي بدأت إيطاليا تستعرض فيه قواتها للقضاء على الثوار الليبيين كان المجاهد عمر المختار يجمع القبائل الليبية في الجبل الأخضر وبعد أعوام من القتال المحتدم ومقاومة القبائل الليبية بقيادة عمر المختار للاستعمار الإيطالي الغاشم، أوقع الثوار هزيمة نكراء بالإيطاليين في معركة الرحيبة عام 1927، وكان انتصار المقاتلين الليبيين قد أثار غضب الحكومة الإيطالية، فالجيش الإيطالي كان يواجه مقاتلين يفتقرون للخبرة العسكرية والعتاد، لذلك قررت الحكومة الإيطالية مضاعفة عدد قواتها و مهاجمة عمر المختار، لكن بعد معارك ضارية تراجعت القوات الإيطالية بالكامل.
وانتقاما لما حدث بالجنود الإيطاليين، أرسل قائد إيطالي بعض المشايخ المجاهدين إلى سجون إيطاليا وقرر توقيع عقوبة الإعدام على كل من يتعاون أو يتصل بالثوَّار، وسجن معظم المشايخ وأعيان بنغازي ودرنة في قلعة بنينة، أمَّا أبرز ما فعله فكان إنشاء “المحكمة الطائرة”، وهي محكمة بكامل أجهزتها تقطع البلاد على متون الطائرات وتحكم على الأهالي بالموت ومصادرة الأملاك لأقل شبهة وتمنحها للمرتزقة الفاشيّين، ثم أصدر حكمه بإعدام المختار.