تحدث الكاتب الصحفي، “رائد الديب”، في مقالمطول، ببوابة “الأهرام”، عن معنى كلمة الخيل فقط، وبعض الشواهد التي قيلت فيها، بداية من القرآن الكريم، إلى الشعر، ومعناها، والقصص التي دارت حول كلمة “خيل”، ومن أين أتت وما معناها.
وفيما يلي نص المقال:
والخيل والليل والبيداء تعرفني..
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
كنت صغيرا أو كبيرا فبالتأكيد تعرف تلك الأبيات أو سمعتها من قبل، وهي أبيات لأبي الطيب الملقب والمعروف بالمتنبي، فما أفصح المتنبي، بين الشعراء، لكن لن نتحدث عن فصاحته، ولن نتناول لماذا قال هذه الأبيات.. لكن سنتناول كلمة الخيل فقط، وبعض الشواهد التي قيلت فيها، بداية من القرآن الكريم، إلى الشعر، ونتحدث عن معناها، والقصص التي دارت حول كلمة “خيل”، ومن أين أتت وما معناها.
فـ:
وللخيل أيامٌ فمن يصطبر لها..
ويعرِفْ لها أيامها الخير يُعقِب.
كثيرا ما نسمعهم يقولون للجواد أو الحصان، أو الفرس: “خَيْل” ظنا أن لفظ خَيْل مفرد؛ وهذا غير صحيح، لأن “الخيل” اسم جمع لا مفرد له من لفظه، وسُمِّيت خيلا لأقاويل كثيرة سنتناول بعضا منها؛ حيث يشيع على ألسن الكثيرين لفظ “الخيل” اعتقادا منهم أنه “المفرد” رغم إنه “اسم جمع”، وورد في المعاجم معان الخيل ومنها: “(الخَيْل): الكِبْر والعُجْب بالنفس، وجماعة الأفراس (لا واحد له من لفظه)، والفُرْسان، والجمع أخيال، وخُيُول”.
ووردت “الخيل” أيضا في القرآن الكريم بمعنى “الأفراس”، وبمعنى الفُرسان، إذن إذا أردت المفرد فقُلْ: جواد، أو حصان، أو فرس، فلا واحد له من لفظه فهو بمنزلة “قَوْم” من حيث إنَّه اسم جمع لا مفرد له من لفظه، وإذا أردت الكثرة قُلْ: خُيُول، أما إذا أردت القِلَّة فَقُل: أَخْيَال.
ورد ذكر الخيل في القرآن الكريم في الآيات التالية: قال تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ آل عمران.
وأيضا وقال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ الأنفال.
وقال تعالى: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ النحل.
وقال تعالى: ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا﴾.. والعاديات هي الخيل تعدو في الغزو.
تعالوا نتناول بعض أقاويل العرب عن الخيل وما ورد في التراث المتوارث عن أجدادنا العرب من أين أتت كلمة الخيل في السطور التالية..
أولا حدّث الكلبي عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أنه قال: “أول ما انتشر في العرب من تلك الخيل أن قوماً من الأزد من أهل عَمّان قدموا على سليمان بن داود، عليهما السلام، بعد تزويجه بلقيس ملكة سبأ، فسألوه عما يحتاجون إليه من أمر دينهم ودنياهم، حتى قضوا من ذلك ما أرادوا، وهمّوا بالانصراف؛ فقالوا يا نبي الله: إن بلدنا شاسع وقد أنفضنا (نفد ما عندنا) من الزاد، فمر لنا بزاد يبلغنا إلى بلدنا، فدفع إليهم سليمان فرساً من “خيل” داود، وقال: هذا زادكم!، فإذا نزلتم فاحملوا عليه رجلاً وأعطوه مطرداً (رمحاً) واحتطبوا وأوروا ناركم حتى يأتيكم بالصيد.. فجعل القوم لا ينزلون منزلاً إلا حملوا على فرسهم رجلاً بيده مطرد، واحتطبوا وأوروا نارهم؛ فلا يلبثون إلا قليلاً حتى يأتيهم صاحبهم بصيد من الظباء والحُمر والبقر، فيأتيهم بما يكفيهم، وفضلاً عن ذلك اغتبطوا به فقال الأزديون: ما لفرسنا هذا اسم إلاّ “زاد الركب”؛ فكان ذلك أول فرس انتشر في العرب من تلك الخيل”.
يُضيف ابن الكلبي، أن أول فرس انتشر في العرب “زاد الركب”، فلما سمعت به بنو تغلب أتوا الأزدين فاستطرقوهم فنتج لهم الهجيس؛ فكان أجود من زاد الركب، فلما سمعت به بكر بن وائل، أتوا بني تغلب فاستطرقوهم، فنتج عن الهجيس “الديناري”، فكان أجود من الهجيس؛ ومن نسله أَعْوج والوجِيه وغُراب ولاحق وسَيِل”.
وروي أيضا في الأساطير الجاهلية، أن الخيل فرت عقب انهيار سد مأرب إلى البراري وتوحشت.. فخرج ذات يوم خمسة أعراب هم: جُذْران، وشُوَيّة، وسِّباح، والعجوز وشِّراك، إلى بلاد نجد، فشاهدوا خمسة من جياد الخيل وكرائمها، فاحتالوا لصيدها وكمنوا لها بالقرب من مورد الماء حيث نصبوا الفخاخ الخشبية، فلمّا سقطت في الكمين تركوها حتى أخذ منها الجوع والعطش مأخذاً، وهم في غضون ذلك يترددون عليها ويتقرّبون منها حتى تألفهم وتتعود عليهم، حتى استأنسوها وركبوها قاصدين مضاربهم، وخلال عودتهم نَفِدَ ما لديهم من زاد، وبلغ منهم الجوع مبلغاً، فاتفقوا أن يتسابقوا باتجاه خيامهم ويذبحوا الفرس التي تتأخر.. ولكن عقب السباق رفض راكب الفرس الأخير ذبح فرسه، وأبى إلا أن يُعاد السباق، ثم تأخرت أخرى غير الفرس الأولى، فرفض فارسها ذبحها، وهكذا حتى رفضوا جميعاً ذبح خيولهم، وفي اليوم الخامس ظهر قطيع من الظباء، فأغناهم عن الذبح، وهكذا سَلِمَت الأفراس الخمسة، فسُميت الفرس التي كان يركبها جُدْران الصقلاوية، لصقالة شعرها، وسميت التي كان يركبها شُوَيَّة أم عرقوب لالتواء عرقوبها، أما فرس سّباح فقد أطُلق عليها اسم شويمة لشامات كانت بها، وسميت الرابعة كحيلة لكحل عينيها وكان يركبها العجوز، أمّا الخامسة التي كان يركبها شِّراك، فسميت عبيه لأن عباءة شِّراك سقطت على ذيلها، فظلت ترفعها بذيلها وتردها طيلة السباق.
وفي رواية لأخرى للأصمعي، أن رجلًا معتوها جاء إلى أبي عمرو بن العلاء، فقال: يا أبا عمرو، لم سميت الخيل خيلًا؟، فبقي أبو عمرو ليس عنده فيها جواب، فقال: لا أدري!؛ الرجل: لكني أدري!، فقال علِّمنا نعلم!، قال: “لاختيالها في المشي”، فقال أبو عمرو لأصحابه بعدما ولَّى الرجل: اكتبوا الحكمة وارووها عن معتوه.
وقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه قال: “خَيْرُ الْخَيْلِ الأَدْهَمُ الأَقْرَحُ الأَرْثَمُ مُحَجَّلُ الثَّلاَثِ مُطْلَقُ الْيَمِينِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَدْهَمَ فَكُمَيْتٌ عَلَى هَذِهِ الشِّيَةِ”.. رواه أحمد.
وقد وصف عنترة بن شداد، فارس العرب، فرسه الأدهم أثناء النزال فقال:
يَدْعون عنتَر والرِّماحُ كأنها..
أشطانُ بئرٍ في لَبَان الأدهم.
أي يدعون عنتر لنجدتهم والرّماح لكثرة عددها، كأنها حبال الدّلو في صدر فرسه الأدهم.
والأدهم هي السواد الخالص، والفرس الأدهم الخالص هو الذي تشتد خضرته حتى يَصْفى سواده، ويذهب ما يخالط الخضرة من الغبرة.. ويُعد الأدهم الخالص أشد الخيل الدّهم سواداً، وأصفاها شَعْراً ولوناً.. وتسمى الأنثى دهماء، والجمع: دهم ودهمان.
فـ:
أحبوا الخيل واصطبروا عليها
فإن العز فيها والجمالا
إذا ما الخيل ضيعها أناس
ربطناها فأشركت العيالا
نقاسمها المعيشة كل يوم
ونكسوها البراقع والجلالا.
اقرأ أيضاً:
صور طاهر زيادة وكريم الزغبي أبطال الفروسية تزين سور المركز الأوليمبي