عبر الدكتور “علي القحيص”، الكاتب السعودي، عن حبه وتقديره للخيول العربية الأصيلة، والنادرة، فكتب مقالاً في موقع “الاتحاد” الإماراتي، يدور حول أصالة الخيول ونسلها وكيفية الاهتمام بها.
وإلى نص المقال:
ورد ذكر الخيل في القرآن الكريم، في عدة آيات، لأهميتها ودورها وتميزها الفعال المؤثر والنافع عند العرب والمسلمين، وقال رسولنا العربي الكريم الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم: «الخيل معقود في نواصيها الخير واليُمن إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها، فامسحوا بنواصيها لها بالبركة، وقلدوها، ولا تقلدوها الأوتار». وهناك أكثر من حديث شريف أوصى بالخيول العربية الأصيلة، وبتربيتها والعناية بها والمحافظة عليها من الانقراض.
وقد اهتم العرب بسلالات الخيول العربية، وحرصوا على العناية الفائقة بها، وعُرفوا بالمحافظة عليها والرعاية لها، وبمعرفة نسلها وسلالاتها.. كمرْكب ووسيلة قتال وتجارة وزينة وكجاه.. وتغزل بها الشعراء وامتدحها الحكماء والملوك والأمراء وعلية القوم وفرسانهم.
ورغم ندرة الخيول العربية الأصيلة، إلا أنها حاضرة في تاريخ ومهرجانات الرياضة والتراث العربي الأصيل. ودولة الإمارات العربية المتحدة من الدول التي حافظت على الخيول العربية الأصيلة وأكرمتها، واعتنت بها اعتناءً كبيراً.
وكان الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابيرت يقود معاركه وحروبه وغزواته الطويلة على ظهر جواد عربي أصيل حصل عليه من مصر خلال حملته هناك عام 1798، وقد أطلق عليه اسم «مارينغو». وقد أُصيب هذا الجواد ثماني مرات في معارك وغزوات مختلفة، لكنه لم يخذل فارسه الفرنسي، ولم يطحه من السرج.
وهناك كثير من القصص العجيبة حول ذكاء الخيل وفراستها وفطنتها ونباهتها، واتصافها بالعزة والكرامة والأنفة والوفاء والأصالة والشموخ. ومن صفاتها أنها تحزن ولا تبوح، تتألم ولا تنكسر.. لذلك عندما تكسر ساق الجواد الأصيل فإنها لا تجبر، بل كثيراً ما تُطلَق عليه رصاصة الرحمة إكراماً له، وكي لا يُهان ويتعذب في حياته، وهو أعرج ذليل.
ويقال إن العرب قديماً، إذا تكاثرت عندهم الخيل العربية الأصيلة والهجينة، يتركونها بلا مأكل ولا مشرب لفترة طويلة في حظيرتها، ثم يضربونها ضرباً مبرحاً قبل أن يعيدوها إلى مربطها، ثم يهيلون عليها من العلف المرغوب لديها بعد جوع شديد، فتركض الخيل الهجينة، وتأكل العلف كله بسرعة وشراهة ودون مبالاة، متناسيةً الأذى والإهانة التي تعرضت لها من صاحب الإسطبل أو المربط. أما الخيول العربية الأصيلة وغير المهجنة فتنزوي وتأخذ مكانها بعيداً عن تزاحم قطيع الخيول الهجينة التي تهجم على العلف وتأكله. الخيول العربية الأصيلة ترفض أكل العلف بعد إهانتها، رغم ما بها من جوع وحاجة للطعام!
أسوق هذا الكلام وأربطه بحال العرب اليوم، وما يحدث في دنياهم من تمزق وتشرذم، حيث اختلط الأصيل بالهجين، فضاعت الأمور ما بين الأسود والأبيض، واختلط الحابل بالنابل، والغث بالسمين، والصالح بالطالح، والنزيه باللص، والكاذب بالصادق، والنبيل باللئيم، والوطني بالخائن.. وما عاد بالإمكان التمييز بين من وعن. إنه عصر النظام العالمي الجديد، وعالم الحداثة المرتبك والهجين، والتقنية الرقمية سريعة التطور في عصر الضبابية وعدم وضوح الرؤية، في هذا الوقت المعقد المتشابك، الذي أصبحت فيه البشرية تتباكى على الزمن الجميل حين كانت كل الأشياء على طبيعتها وفطرتها الأصلية، فيما قلّت اليوم الخيول العربية الأصيلة وأصبحت نادرة، حيث غاب أيضاً كثير من فرسانها الأصلاء.. وفي الوقت ذاته كثُرت الخيول المهجنة المستوردة التي أكلت المرعى والعلف بأنواعه، أما العربية الأصيلة النادرة فماتت كما تموت الأشجار واقفة!
اقرأ أيضاً: