تفنن المماليك في الاهتمام بالحصان العربي فمن التقاليع التي تدل على ولعهم به، تنوعهم في امتطاء ألوان مختلفة من الخيول على مدار أيام الأسبوع، كما يغيرون ارتداء ملابسهم، فيمتطون كل يوم جيادا بلون مختلف، حتى جرت العادة على امتطاء الخيل الأدهم وهو يعنى شديد السواد يوم السبت، ويوم الأحد ركوب الخيل الأبيض أو ما يطلق عليه (البوز).
ويوم الاثنين كان معروف ركوب الخيل ذو اللون الأخضر، والثلاثاء مخصص للخيل الأحمر، أو (الكميت)، ويوم الأربعاء للخيل الذى يكون نصفه بلون الأسود أو الأحمر والنصف الباقي باللون الأحمر، ويوم الخميس مخصص للخيل الشقراء، وكان المماليك يلجأون لتغيير الألوان بغرض التفاؤل.
كما كانوا يعتقدون أن تعليق آيات قرآنية على الخيل كحرز بغرض حمايتها وحراستها، حيث كانوا يضعون على رقاب الخيول قلائد من الخرز الأزرق، أو القرون، أو خيوط ملونه من وبر الجمال، وجرت العادة وقت الحروب تعليق شرائط من الفضة، ويكتب عليها كلمة (رب أو خالق)، لحفظ الخيول من الحسد والسوء.
مرت قصة الحصان العربي والاعتناء به في مصر بمراحل تميزت بالقوة، حتى وصل حد الاهتمام بالخيول والفروسية أبان الدولة المملوكية إلى أقصى ذروتها، فهي بالفعل دولة نشأت على أعناق الفرسان العظام، حيث ارتكزت في تلك القوة العسكرية بشكل أساسي على سلاح الفرسان، فأخذ المماليك على عاتقهم رعاية بالغة بـ«قصة الحصان العربي»، وإسطبلات الخيول.
وكان أكثر ما يحظى به الأمراء والسلاطين في تلك الفترة هو زيادة عدد الخيول والإسطبلات، كنوع من الحصن والأمان والقوة والجاه، حتى يتمكنوا من الوقوف أمام أي عدو محتمل، وأخذوا المماليك في جمع أجود السلالات من أماكن عدة في مختلفة بقاع الأرض ومنها الشام، العراق، الحجاز، اليمن، البحرين، وذاع صيت الأمراء والمماليك والسلاطين التي ارتبطت أسماؤهم بعشق ركوب الخيول والفروسية.
كيف أولى المماليك رعايتهم بالخيول؟
انعكس عشق المماليك لـ قصة الحصان العربي، ومرابط الخيول، حتى ارتبطت بها عددا من المهن، مثل: (ناظر وكاتب الإسطبل)، لضبط أسماء الخيول وأنواعها، تثمين كل ما يباع، كما تدوين تاريخ نزولها وأربابها،(ناظر الأهراء) وهو المسئول عن الغلال، (الرائض)، هو الذي يروض الخيول، (أمير أخور)، الذي يتولى معالف الخيول في إسطبل السلطان أو الأمير، ويعد منصبه خطير، وعليه أن يكون متأهب لسفر السلطان وإعداد الموكب لتنقله في أي وقت، سواء في وقت السلم أو الحرب، كما كان له دور في تثمين الخيول المشتراة، أما (البياطرة) هو المسئول عن علاج الخيول.
أولى المماليك اهتمامهم لـ«قصة الحصان العربي»، من خلال طريقة رعايتهم لها عندما ولوا السياس على الإسطبلات لإطعامها وسقايتها، وتنظيفها، ومسح وتمشيط أجسادهم بالماء، فضلا عن مسح نواصيها بعد بزوغ الشمس، ومرة أخرى بعد ظهورها، كما حرصوا على شرب الخيول للماء بانتظام على مدار اليوم من أول طلوع الشمس، وحتى الغروب، وأطلقوا عليها سقيه الغفلة، وكانوا يحذرون من سقاية الخيول إلا بعد جفاف عرقها من أي تعب أو مجهود، كما كانوا يحذرون السياس من علفها بالشعير مع قلة حركتها، وعدم منحها الحشيش الرطب مع اليابس، وحرصوا أيضا على تدريبها دون تعنيفها أو ضربها، حتى لا تعتاد على الإهانة والضرب وتخرج عن كبتها، كما اعتادوا على أنه إذا تملك الخيل حالة من الغضب لا يستطيعون ركوب الخيل ولا يؤمن عليها أي فارس.
مواصفات اختيار المماليك للخيول
لم يتوقف هوس المماليك بقصة الحصان العربي، بل كانوا يحرصون على اختيار الخيل العتيق ذات مواصفات معينة، بحيث يكون طويل الأذنين والذيل والرقبة، كحيل وعينيه بارزة، قوي ذو وترين بارزين، واسع المنخارين، والجبهة، ذيله طويل ومرفوع، صدره ممتلئ، رأسه صغيرة.
طريقة تقييم سرعة الخيول
كان المماليك يتبعون طريقة خاصة في تقييم الخيول، كانوا يراقبون آثار أرجلهم على الأرض أثناء الجري، ثم يقوموا بقياس ما بينهما، فإذا كان الفرق بينهما 6 أذرع يعتبروه سريع، أما إذا زاد على ذلك فهو شديد السرعة، كما كانوا يقدرون المسافة بين حوافر الخيول فإذا كانت 3 أو 4 أذرع يعتبر خيلا بطيئا.
أهمية سوق الخيول عند المماليك
قام الحكم المملوكي على أساسين هما الفرسان والأفراس، وذلك سبب رئيسي في أهمية سوق الخيول، أو لأنه مجاور من قلعة الجبل، ومصدر الحكم، وكانت قصة الحصان العربي، هي رمز للسلطة في ذلك الحين.
تعددت الألوان داخل سوق الخيول، على الرغم أن الألوان الأساسية 4 فقط، ولكن يندرج منها ألوان أخرى، ومن أكثر الألوان التي يفضلها السلاطين والمماليك هو اللون الأبيض أو الخيل (البوز) كما أطلق عليها.
كسوة الخيول من مظاهر القوة والمكانة الاجتماعية
لم تغفل الدولة المملوكية العناية بكسوة الخيول وقت الحروب، كما أولتها اهتماما أيضا وقت الاحتفالات والمواكب، باختيار ألوانها وسلالاتها، والملابس المناسبة لها أيضا في وقت الحرب والسلم، لقد نالت قصة الحصان العربي، الكثير من وعى المماليك، حيث كانت تلبس الخيول ملبسة يطلق عليها (آلة الحرب)، لوقاية جسم الخيول وأجزاء معينة من جسمه مثل الوجه والساقين، فضلا عن ما يطلق عليها (الجوشن) لحماية منطقة الصدر، وهي عبارة عن دروع للصدر دون الظهر، تصنع من الحديد والجلد والقرون ثم تغطى بالثياب، ولوقاية الخيول استعملت (السموط) وهى عبارة عن سيور من الحديد لحماية الخيول من السيوف وقت الحرب، بالإضافة إلى (التجافيف) وهي آلة حرب مصنوعة من الحديد أيضا، ترتديها الخيول والفرسان لوقايتهم، بالإضافة إلى الأغطية المزركشة، المصنعة من الفولاذ، كما كان هناك الأشرطة التي تلف حول صدور الخيول التي يطلق عليها (التشاهير)، وغيرها من معدات الحماية على اعتبار أن كسوة الخيول تعد من مظاهر القوة وعلو المكانة الاجتماعية.
كانت تختلف كسوة الخيول أيضا على حسب ألوانها، الفرس (الأدهم) أي الأسود يلبس كسوة بيضاء، أما إذا كان (أشهب) يرتدي اللون الأسود، والخيل (الأحمر) يرتدي اللون الأحمر، و(الأشقر) يرتدي اللون العسلي، والخيل (الأصفر) يليق به اللون الأصفر.
اقرأ أيضًأ:
جميع المؤسسات الدولية تقدر الخيول المصرية العربية
محمود الضبع: محطة الزهراء للخيول محط أنظار العالم
رئيس تحرير “الكنوز المصرية”: هناك 1400 مزرعة خيول في القطاع الخاص